moultaka al hakyi
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عبده حقي/ الكاتــب

اذهب الى الأسفل

عبده حقي/ الكاتــب Empty عبده حقي/ الكاتــب

مُساهمة من طرف Admin الأحد فبراير 17, 2008 7:12 pm


الكـاتب



عبده حقي


عبده حقي/ الكاتــب Ecrit10

في تلك اللحظة المتأخرة .. في ليلة من ليالي السبعينات .. انتهى من كتابة النص ... أرسل زفرة قوية اهتزت لها الأوراق أمامه على المنضدة ثم استرخى على مسند الكرسي... أشعل سيجارته العشرين وطفق ينتشي بنصه .. يتأمل تلك الكلمات ..
جرات التشطيب ..الهوامش ..الدوائر..البياضات الكثيرة...
شعر بنشوة جارفة حين لمح على المنضدة أصيص الزهور وقد اشرأبت بينها زهرة بلون متفرد رغم أنها جميعا من نفس الأصيص ونفس التربة .
إنه الآن يمعن النظر في مفاتنها الداخلية الآسرة مثلما تكشف له امرأة عن أزرار منامتها الوردية الناعمة في ليلة شتوية...
ضغط على عقب السيجارة العشرين في المرمدة التي كانت تطفح بأعقاب أخرى وكانت تنبعث منها رائحة كريهة . إن خليلته تمقت تلك الرائحة التي تظل عالقة بمنامته وتفوح من فمه بقوة حين يستلقي بجانبها على
السرير ... وكثيرا ما حاول الإمساك عن التدخين ، إلا أن النص الماكر يستدرجه لذلك في دهاء ومن حيث لايدري ... سيظل إذن يدخن ويدخن ويدخن مادام لهذه البلية علاقتها الغامضة والمتواطئة مع الكتابة...
انزلق بتؤدة ..السرير دافئ.. شعر مرة أخرى بنشوة النص وتفتح الزهرة وعطر الخليلة ..ضغط على زر النور الذي يشبه إجاصتين متدليتين فوق رأسيهما ..أغمض عينيه وحاول أن ينام لكن صور ولحظات النص تعبر أمامه مثل .. مثل .. قطعان من السحب الحثيثة ..لا ربما مثل شيء لم يستطع تحديده في الظلام ..آه أخيرا مثل دوائر مائية تكبر شيئا فشيئا لتتلاشى إلى حيث لا يدري...
وكثيرا ما كان هذا القاص يحلم بالنص/الحدث .... نص يتصدر العناوين الرئيسية في نشرات الأخبار والمجلات والجرائد.. نص يزعزع النظريات النقدية والمفاهيم والمصطلحات... لذلك فهو كان يبيت الليالي مسهدا داخل (مختبرالسرديات) الذي هو عبارة عن غرفة ضيقة منزوية بجوار المطبخ ، تتكدس فيها أكوام من الكتب والمجلات والقصاصات والمسودات المدعوكة هنا وهناك قرب البالوعة ... وكالعادة كل صباح كان يستفيق يشرب قهوته على الريق وأحيانا مع كسرة خبز وزيتون ويشبع ... هكذا كان يقول لخليلته أنه شبع ، المهم هو أن يشبع بالكتابة ... ثم يدخن سيجارته الأولى ، بعد ذلك يصعد إلى السطح ، يعيد قراءة النص تحت أشعة الشمس الخريفية .. يتأمل السماء وسحبها التي ما تزال تراوح مكانها ... وكثيرا ما كان ينزل خائبا ليمزق أو يحرق ذلك النص ويلقي به تحت الصنبور حتى يتحلل حبره ثم يدخل إلى الدش في صمت مريب .. يفكر في نص آخر ويهمس في نفسه : ( ما جدوى كتابة نص جميل إذا عجز عن السير في الشارع وحده ليعانق الأصدقاء واحدا واحدا و يركب الأوطوبيس ويتجول في الحديقة العمومية ويجلس في مقهى ويستحم في المسبح العام بدون مزار... وعلاش لا...
في هذا الصباح ، استفاق على الساعة العاشرة وهو قد اعتاد أن يستفيق في مثل هذا الوقت أو يستغرق في نومه إلى ما بعد الظهيرة ، لافرق عنده في ذلك بين فصل وفصل فجميع فصول الله تتشابه مادام في رأيه أن النص المشتهى لم ينزل من سمائه بعد ، لا من سماء التجريب السابعة ولا من سماء السريالية السادسة ولا من سماء الفانتاستيك الخامسة ولا من سماء الواقعية الرابعة ولا من هذه ولا من تلك ... وهو حتما لن ينزل مادام أن للغة قرارها الأخير وقاموسها المتمنع الذي نصبت عليه المناهج النقدية برجا للمراقبة ...
هكذا تعود أن يحسم الأمر لكنها لعنة الكتابة...
واليوم ليس ككل الأيام.. يوم من أعوام التسعينات ... دس النص في جيب معطفه الرمادي .. رنا إلى المرآة .. كان يبدو مثل دب هرم عليل .. نص آخر يجرب حظه في هذا اليوم الرصاصي البارد والذي ينذر برياح عاصفة ... كان الكاتب يمشي مزهوا بنصه النائم في عمق جيبه الدافئ بين المنديل الأحمر وعلبتي الثقاب والسجائر. في منعطف الشارع العريض ا صطدم فجأة بجسد بدين يحمل كومبيوتر(بورتابل) وجريدة بالألوان... لقد ألف أن يرى هذا الوجه على أعمدة الصحف وشاشات التلفاز... إنه الشاعر والروائي والقاص والمسرحي والفنان التشكيلي ورئيس جمعية رياضية وعضو اتحاد كتاب جزر القمر.. و.. و... وهو يفكر في إنشاء مقاولة PME للقصة القصيرة ومقاولة PMI للرواية و الاستثمار في الفنون التشكيلية ... كل هذا طبعا في إطار ليبرالية الفعل الثقافي ( وعلاش لا) فنحن نعيش في نظام عالمي جديد وطوفان العولمة الجارف قادم لا ريب فيه ...
اعتذر الكاتب لصاحبه بعد أن التقط نظارته التي وقعت على الأرض بفعل الاصطدام ومسحها بكم معطفه السبعيني الذي يشبه معطف ( كوكول) ، معتذرا ثانية وثالثة ومتأسفا كثيرا .. كثيرا .. عما حصل بالصدفة وأردف أن المنعطفات كلها مفخخة ولحسن حظه أنه غالبا ما يصطدم بكتاب مثله ، ولذلك فهو قد حمد الله على أن كاتب اليوم هو السي (الخمار القاشوري) سيد السرديات وقاهر القواميس ... فما أجمل إذن هذا الاصطدام وما ألطفه .. اصطدام نص بنص ...
ولكي يكفر الكاتب عما حدث دعا السي ( الخمار القاشوري ) إلى احتساء فنجان قهوة على حسابه. غير أن هذا الأخير اعتذر بدعوى أن مقهى (النهضة) أصبحت في السنين الأخيرة تعج بكتاب مغمورين ، جسورين يضايقونه بضوضاء أسئلتهم السطحية حول روايته ( كنوز).
في حانة ما جلسا وجها لوجه .. وما كادا يستويان في جلستيهما حتى وضع النادل الأكرش على الطاولة قنينتي بيرة وحيى (الخمار القاشوري) بحرارة فائقة .. اعتذر الكاتب عن شرب البيرة وفضل كأس قهوة معصرة فيما احتفظ (الخمار القاشوري) بالقنينتين معا ...
ظلا صامتين .. نظرات ملغزة .. متقاطعة في أحيان كثيرة ...
أخرج (الخمار القاشوري) غليونه العاجي وحشاه بحفنة من التبغ الهولندي الرفيع فيما سحب الكاتب النص من جيبه وقدمه قائلا : ( أرجو منك أن تقرأه وتعطيني رأيك ).
شرع (الخمارالقاشوري) يمج غليونه .. يعب البيرة ويتأمل النص .. يقطب حاجبيه تارة ويفرجهما أخرى .. يهمس بكلمات مبهمة .. يتزحزح في مكانه إلى وضع أكثر راحة على ما يبدو، يعب البيرة بنشوة بالغة ... خمن الكاتب وقال في نفسه : يبدو أن النص المنتظر قد نزل أخيرا من سماء ما ، فهو يرى علامات نزوله على وجه (الخمار القاشوري) . بعد لحظة انتهى من قراءة النص وصفق فانتصب الكاتب كالمذعور واقفا احتراما له وقال بصوت مجهد:
ـــ عفوا ..عفوا فأنا مدين لاعترافك هذا وتصفيقاتك المنوهة...
فرد (الخمار القاشوري) بوجهه الغارق في دخان الغليون :
ـــ لم أنته بعد من قراءة نصك فأنا قد صفقت للنادل فحسب .
لم يرد الكاتب ، مكث منكمشا في معطفه السبعيني ينتظر رأي ( الخمار القاشوري ) وبقي النص محاصرا بينهما وبين التصفيق والتصفيق والنادل يأتي بالعامر ويمضي بالخاوي ، وفي لحظة ما دلف الكاتب المسكين إلى المرحاض وحين عاد وجد النادل الأكرش في انتظاره:
ـــ ادفع .

عبده حقي
1995
Admin
Admin
Admin

المساهمات : 32
تاريخ التسجيل : 11/02/2008
الموقع : ملتقى الحكي

https://hakyi.bbactif.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى